اعداد سهير الهاشمي
الطلاق الصامت هو التعبير المرادف للطلاق العاطفي، وهو نوع من الحياة الزوجية القسرية التي يُرغَم فيها الزوجان على تشارُك المسكن، دون أي روابط أو مشاعر عاطفية تربط بينهما.
ويضرب الطلاق الصامت عرض الحائط بالتعريف الأكثر توصيفاً للزواج بأنَّه “رباط المودة والرحمة والسكينة”؛ فسيتبدل هذه المشاعر الدافئة التي يفترض أن تعمَّ جو الأسرة، بجوٍّ من الجفاء وانعدام الكلام والصمت المطبق، وقد يتعداه إلى كلمات أبعد ما تكون عن تأدية غرض التواصل، وتكون بدورها حواجز إضافية بين الزوجين، وتأتي هذه الكلمات على شكل جمل من السخرية أو الاستهزاء بالآخر، أو عبارات تنمُّ عن جهل كامل بطباع من يفترض به أن يكون “شريك حياة”.
قد يتفق الزوجان على هذا الطلاق الصامت بعد أن تفشل جميع محاولاتهما في التقارب والتفهُّم، وقد لا يبذلان أي جهد ولا يُبديان أي اكتراث بما تؤول إليه حياتهما المشتركة، فكلٌّ منهما لديه عالمه الخاص وأشخاصه الذين يغنونه عن الشريك ووجوده في الحياة.
يزيد الطلاق الصامت سوءاً وجود أطفال في الأسرة، تلك الأرواح النقية والشخصيات التي في طور الصقل والتطوُّر وتكوين الصور والأفكار عن العلاقات والحياة عموماً؛ إذ إنَّ هؤلاء الأطفال هم الحلقة الأضعف في هذا الطلاق العاطفي؛ وذلك لأنَّ والديهم يغرسون – بقصد أو بغير قصد – صورة خاطئة جداً عن الزواج والأسرة والحياة المشتركة.
إذاً؛ إنَّ الطلاق الصامت هو الزواج المستمر شكلياً، والمنتهي فعليَّاً؛ وذلك لأنَّ الأزواج الذين يعيشون في سجن الزوجية هذا، قد يحافظ كل منهما على أداء واجباته تجاه الأسرة، لكنَّه يقوم بذلك بدافع الواجب والمسؤولية فقط، دون أن يمتزج واجبه بذرة عاطفة واحدة تجاه الشريك.
فالزوج يستمر في الذهاب إلى عمله والتكفُّل بمصاريف المنزل والزوجة، كما يستمر في الخروج برفقة زوجته إلى الاحتفالات العائلية والاجتماعية، وقد يبدوان للآخرين أسعد الأزواج، والزوجة تستمر في مهامها المنزلية من تحضير الطعام والاهتمام بشؤون المنزل والأطفال، لكنَّ الحلقة المفقودة هنا هي تعامل الزوجين مع بعضهما بوصفهما أجساداً خالية من المشاعر، فينام كلٌّ منهما في غرفة منفصلة عن غرفة الآخر، ولا يعرف أحدهما ما يدور في خلد شريكه، فيبدوان غريبين قريبين.
ولا بدَّ أن نشير هنا إلى أنَّ مساعي الزوجين في إخفاء طلاقهما العاطفي عن أطفالهما ستبوء بالفشل مهما اجتهدا في إخفائها؛ وذلك لأنَّ الأطفال أذكى مما يتصوران، ولن يغيب عن ألحاظهم جو الجفاء السائد في الأسرة والحديث بين الأبوين – إن وُجد – وسيتحمل الزوجان مسؤولية التأثيرات النفسية والسلوكية الناتجة عن ذلك في شخصيات أطفالهم.
: علامات الطلاق الصامت:
من علامات الطلاق الصامت التي تؤكد أنَّ هذين الزوجين يعانيان الانفصال العاطفي، نذكر ما يأتي:
سيطرة الصمت على الجلسات التي يجتمع فيها الزوجان معاً.
العجز عن الوصول إلى اتفاق أو اتحاد في رأي الزوجين بخصوص أي موضوع، سواء كان صغيراً أم كبيراً.
سيطرة الشعور بالغربة على كل من الزوجين؛ إذ يشعر كل منهما أنَّ الآخر غريب عنه لا يعرف عنه شيئاً.
وجود كثيرٍ من العوائق النفسية والسلوكية والفكرية التي تتزايد يوماً بعد يوم وتزيد المسافة بين الزوجين.
عدم الإعجاب بأي تصرُّف أو موقف أو فكرة تصدر عن الطرف الآخر.
انتقاد الطرف الآخر باستمرار.
صعوبة التقبُّل النفسي والجسدي للطرف الآخر وعدم القدرة على ذلك.
إغلاق أبواب الحوار في وجه الطرف الآخر، وعدم الاستعداد لتذكُّر أيام الصفاء التي جمعت الزوجين.
تبادُل الانتقادات الشديدة بين الزوجين.
إبداء الرفض والجفاء في وجه محاولات التودد من الطرف الآخر.
الاقتصار عن التعامل مع الطرف الآخر، وتجنُّب أي سبب يؤدي إلى ذلك.
حدوث انفصال جسدي بين الزوجين، وامتناعهما عن النوم في غرفة واحدة.
تجنُّب الحديث مع الطرف الآخر، وإذا ما اضطر أحدهم إلى الحديث مع شريكه، تعامَل بنبرة جافة ووجه عبوس مستخدماً كلمات مختصرة.
خلو أي حديث من التطرُّق إلى المشاعر الودية الطيبة
حلول الطلاق الصامت وعلاجه:
إنَّ علاج الطلاق الصامت ليس بالأمر السهل، ولكنَّه في الوقت ذاته ليس أمراً مستحيلاً، وإنَّ خطة الحل تكون عن طريق إعادة تأهيل لكل طرف من أطراف الزواج للحياة المشتركة مع شريكه، وهذا يستلزم جهوداً يجب بذلها على صعيد التغيير الشخصي، وأخرى يجب بذلها على صعيد التعامل مع الطرف الآخر، ومن خطوات الحل ما يأتي:
إخلاص النية من قِبل الزوجين كليهما بإعادة حياتهما الزوجية إلى ما كانت عليه قبل هذا البرود العاطفي.
عدم الخجل أو التردد في استشارة اختصاصي زواج وأسرة عند الحاجة إلى ذلك.
المبادرة بالحديث إلى الطرف الآخر، وتقديم الدعم له عند حاجته إليه.
طرح الأسئلة على الشريك والاستفسار عمَّا يشغل باله وعن أحلامه وأفكاره وتطلُّعاته؛ إذ تبدو الأسئلة حلاً مناسباً لإعادة التواصل بين الزوجين، الذي انقطع في فترة الطلاق الصامت.
جعل إعادة التوازن والدفء للحياة الزوجية هو الهدف الرئيس، وتجاهُل جميع إشارات الاستفزاز التي قد تصدر من الطرف الآخر، وتجدر الإشارة إلى أنَّه عندما يأخذ أحد الطرفين على عاتقه إنقاذ الحياة الزوجية من الطلاق الصامت، فلا بدَّ أن يواجه بعض المقاومة والاستفزاز من قِبل الطرف الآخر ليسبر جديته في مساعيه؛ لذا، من الواجب تجاهُل هذه الاستفزازات لأنَّه أول بوادر الحل.
عقد العزم على بدء صفحة جديدة وعدم الالتفات إلى الوراء وتذكير الآخر بتصرفاته الماضية الخاطئة؛ بل يجب على الزوجين محاولة التسامح معها ليتسنى نسيانها.
عقد جلسة مصارحة بين الطرفين يعترف كل منهما للآخر بما يزعجه وما يحبه، ليكون كل شيء بينهما واضحاً ومفهوماً.
الصبر ثم الصبر ثم الصبر؛ وذلك لأنَّ اتخاذ مثل هذه الخطوة يحتاج إلى كثيرٍ من الوقت وإعادة المحاولة؛ لأنَّ النتائج ستثمر إذا كانت المساعي جاد