لا يمكن اتخاذ قرار مهم في الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق بين فرنسا وألمانيا، كما يمكن إلغاء أي قرار أيضا عندما لا يتم الاتفاق بين الدولتين. هذا ما يقوله المحللون السياسيون المعاصرون، لكن التناقض بين البلدين كان في الماضي أكبر بكثير واتخذ أنماطا لغوية وثقافية وسياسية عدة.
ويمتد التنافس الثقافي بين ألمانيا وفرنسا إلى تاريخ بعيد يعود بجذوره إلى زمن الحرب بين الإغريق والقبائل الجرمانية (التي استوطنت جنوب إسكندنافيا وشمال ألمانيا الحديثة وغربها ثم توسعت جنوبا وشرقا)، حين سجل الجنرال والكاتب الروماني يوليوس قيصر (توفي 44 قبل الميلاد) مذكراته عن السنوات التسع التي قضاها في محاربة الجيوش المحلية في بلاد الغال (فرنسا الحديثة وبلجيكا وبعض سويسرا).
تاريخ قديم .
أغار شعب الغال بشكل متكرر على الأراضي الرومانية خاصة عام 390 قبل الميلاد، واستولى على روما نفسها قبل أن يتلقى فدية كبيرة لقاء تركها. في المقابل كانت القبائل الجرمانية أكثر عزلة وانقساما، ولأن بلادهم كانت محمية بموانع طبيعية قوية من جبال الألب والراين والدانوب وأنهار وغابات كثيفة، فقد حولت الإمبراطورية الرومانية وجهتها التوسعية نحو بلاد الغال أولا وبلغت ذروتها في غزو يوليوس قيصر بلاد الغال في الخمسينيات قبل الميلاد، واستمرت تلك السيطرة الرومانية على مدى قرون ثلاثة.
تبنّت بلاد الغال تدريجيا الحروف اللاتينية وتشبّع شعبها بكثير من العادات الرومانية، وخلطوا اللغات الأصلية الخاصة بهم مع اللاتينية لإنتاج الفرنسية القديمة التي تطورت مع العصور الوسطى إلى الفرنسية المعاصرة.
على الجانب الآخر، لم تُقر جرمانيا الحروف اللاتينية، ولم تندمج ألمانيا الغربية المعروفة لدى الرومان باسم جرمانيا، في الإمبراطورية حتى القرن الأول الميلادي، وتوقف الرومان عن محاولة غزو النصف الشرقي من ألمانيا بعد معركة غابة تويتوبورغ الكارثية على الرومان عام 9 للميلاد.